فصل: السنة السادسة من ولاية تكين الرابعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة السادسة من ولاية تكين الرابعة

وهي سنة سبع عشرة وثلاثمائة‏:‏ فيها خلع أمير المؤمنين المقتدر بالله جعفر من الخلافة خلعه مؤنس الخادم ونازوك الخادم وأبو الهيجاء عبد الله بن حمدان وأحضروا من دار الخلافة محمد ابن الخليفة المعتضد وبايعوه بالخلافة ولقبوه بالقاهر بالله وذلك في الثلث الأخير من ليلة السبت خامس عشر المحرم من السنة المذكورة وتولى أبو علي بن مقلة صاحب الخط المنسوب إليه الوزارة وقلد نازوك الحجبة مضافة إلى شرطة بغداد وأضيف إلى أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان ولاية حلوان والدينور ونهاوند وهمذان وغيرها مع ما كان بيدة قبل ذلك من الولايات مثل الموصل والجزيرة وميافارقين ووقع النهب في دار الخلافة وكان لأم المقتدر ستمائة ألف دينار في الرصافة فأخذت وآستتر المقتدر عند أمه وبعد ثلاثة أيام حضرت الرجالة من الجند وآمتلأت دار الخلافة وآزدحم الناس ودخلوا إلى المقتدر وحملوه على رقابهم وصاحوا يا مقتدر يا منصور وخرجوا به وبايعوه ثانيا بالخلافة بعد أمور وقعت بين القواد والجند من وقائع وحروب وقتل أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان ونازوك وخلع القاهر محمد وأمنه أخوه المقتدر هذا وسكنت الفتنة بعد حروب وقعت ببغداد وقتل فيها عدة من الأعيان والجند قلت وهذه ثاني مرة خلع فيها المقتدر من الخلافة لأنه خلع أولا بعبد الله بن المعتز في شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين وهذه الثانية ثم آستقر بعد هذه في الخلافة إلى أن مات حسبما يأتي ذكره في محله‏.‏

وفيها ظهر هارون بن غريب ودخل إلى مؤنس وسلم عليه وقلد الجبل فخرج إليه وقلد المقتدر إبراهيم ومحمدًا ابني رائق شرطة بغداد وقلد مظفر بن ياقوت الحجابة وماتت ثمل القهرمانة وخلفت أموالًا كثيرة‏.‏

وفيها سير المقتدر ركب الحاج مع منصور الديلمي فوصلوا إلى مكة سالمين فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطي فقتل الحجيج قتلا ذريعا في فجاج مكة وفي داخل البيت الحرام لعنه الله وقتل ابن محارب أمير مكة وعرى البيت وقلع باب البيت وآقتلع الحجر الأسود وأخذه وطرح القتلى في بئر زمزم وفعل أفعالا لا يفعلها النصارى ولا اليهود بمكة ثم عاد إلى هجر ومعه الحجر الأسود فدام الحجر الأسود عندهم إلى أن رد إلى مكانه في خلافة المطيع على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى وجلس أبو طاهر على باب الكعبة والرجال أنا لله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا ودخل رجل من القرامطة إلى حاشية الطواف وهو راكب سكران فبال فرسه عند البيت ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم اقتلعه وكانت إقامة القرمطي بمكة أحد عشر يومًا فلما عاد القرمطي إلى بلاده رماه الله في جسده حتى طال عذابه وتقطعت أوصاله وأطرافه‏.‏

وهو ينظر إليها وتناثر الدود من لحمه قلت‏:‏ هذا ما عذب به في الدنيا وأما الأخرى فأشد إن شاء الله تعالى وأدوم عليه وأعوانه وذزيته لعنة الله عليهم‏.‏

وفيها وقعت الوحشة بين الأمير تكين أمير مصر صاحب الترجمة وبين محمد بن طغج أمير الحوف فخرج محمد بن طغج من مصر سرًا خوفا من تكين ولحق بالشام‏.‏

وفيها هلك القرمطي أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي القرمطي لعنه الله ولي أبو طاهر هذا أمر القرامطة بعد موت أبيه عليهما اللعنة بوصية أبيه إليه وغلط أبو القاسم السمناني في تاريخه قال‏:‏ الذي قلع الحجر الأسود أبو سعيد الجنابي وانما هو انبه أبو طاهر هذا عليهما اللعنة ولما ولي أبو طاهر هذا أمر القرامطة قوي أمره وحارب عساكر الخليفة وأتسع ملكه وكثرت جنوده ونال من الدنيا ما لم ينله أبوه ولا جده وكان زنديقا ملحدا لا يصلي ولا يصوم شهر رمضان مع أنه كان يظهر الإسلام ويزعم أنه داعية المهدي عبيد الله وقد تقدم من أخباره ما فيه كفاية عن ذكره هنا من قتله الحجاج وسفكه الدماء وأخذه أموال الناس وأشياء كثيرة من ذلك وقد كان هذا الملعون أشد ما يكون من البلاء على الإسلام وأهله وطالت أيامه ومنهم من يقول إنه هلك عقيب أخذه الحجر الأسود أعني في هذه السنة والظاهر خلافه وكان أبو طاهر المذكور مع قلة دينه عنده فضيلة وفصاحة وأدب ومن شعره القصيدة التي أولها‏:‏ أغركم مني رجوعي إلى هجر فعما قليل سوف يأتيكم الخبر إذا طلع المريخ من أرض بابل وقارنه النجمان فالحذر الحذر فمن مبلغ أهل العراق رساله بأني أنا المرهوب في البدو والحضر ومنها‏:‏ فيا ويلهم من وقعة بعد وقعة يساقون سوق الشاء للذبح والبقر سأصرف خيلي نحو مصر وبرقة إلى قيروان الترك والروم وآلخزر ومنها‏:‏ أكيلهم بالسيف حتى أبيدهم فلا أبق منهم نسل أنثى ولا ذكر أنا الداع للمهدي لا شك غيره أنا الصارم الضرغام والفارس الذكر أعمر حتى يأتي عيسى ابن مريم فيحمد آثاري وأرضى بما أمر وفيها توفي أحمد بن الحسين الإمام العلامة أبو سعيد البردعي الحنفي شيخ الحنفية في زمانه استشهد بمكة بيد القرامطة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن مهدي بن رستم كان شيخا صالحا ذا مال كثير أنفقه كله على العلم ولم يعرف له فراش أربعين سنة‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن شابور بن شاهنشاه أبو القاسم البغوي الأصل البغدادي مسند الدنيا وبقية الحفاظ وهو ابن بنت أحمد بن منيع ولد ببغداد في أول شجر نصيبين سنة أربع عشرة ومائتين وسمع الكثير ورحل إلى البلاد وروى عنه خلائق لا يحصيهم إلا الله لأنه طال عمره وتفرد في الدنيا بعلو السند رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفي نازوك الخادم قتيلا في هذه السنة في واقعة خلع المقتدر كان نازوك المذكور شجاعا فاتكا غلب على الأمر وتصرف في الدولة وعلم مؤنس الخادم أنه متى وافقه على خلع المقتدر لم يبق له في الدولة أمر ولا نهي فوافقه ظاهرا وواطأ عليه البرددارية باطنا حتى تم له ذلك وكان لنازوك أكثر من ثلاثمائة مملوك‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثلاث عشرة إصبعًا مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون السنة السابعة من ولاية تكين الرابعة وهي سنة ثماني عشرة وثلاثمائة‏:‏ فيها حج بالناس عبد السميع بن أيوب بن عبد العزيز الهاشمي وقيل‏:‏ شهر رمضان الحسن بن عبد العزيز قال أبو المظفر في مرآة الزمان ‏"‏ والظاهر أنه لم يحج أحد منذ سنة سبع عشرة وثلاثمائة إلى سنة ست وعشرين وثلاثمائة خوفا من القرامطة ‏"‏‏.‏

وفيها في المحرم صرف المقتدر ابني رائق عن الشرطة وقلدها أبا بكر محمد بن ياقوت‏.‏

وفيها في شهر ربيع الآخر هبت ريح شديدة حملت رملا أحمر قيل إنه من جبل ذرود فامتلأت به أزقة بغداد وسطوحها‏.‏

وفيها قبض المقتدر على الوزير ابن مقلة وأحرقت داره وكانت عظيمة قد ظلم الناس في عمارتها وعز على مؤنس الخادم حتى لم يشاوره المقتدر في القبض عليه ثم أستوزر المقتدر سليمان بن الحسن فكان لا يصدر عن أمر حتى يشاور علي بن عيسى وكانت وزارة ابن مقلة سنتين وأربعة أشهر وثلاثة أيام‏.‏

وفيها توفي جعفر بن محمد بن يعقوب الشيخ أبو الفضل الصندلي البغدادي كان من الأبدال سمع علي بن حرب وغيره واتفقوا على ثقته وصدقه وفيها توفي سعيد بن عبد العزيز بن مروان الشيخ أبو عثمان الحلبي الزاهد وهو من أكابر مشايخ الشام صحب سريا السقطي وروى عنه أبو الحسين الرازي وغيره ومات بدمشق‏.‏

وفيها توفي عبد الواحد بن محمد بن المهتدي أبو أحمد الهاشمي سمع يحيى بن أبي طالب وروى عنه أبو الحسين الرازي وغيره‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الأسفرايني ولد بقرية من أعمال أسفراين يقال لها ‏"‏ جوربذ وسافر في طلب الحديث وكان من الاثبات‏.‏

وفيها توفي محمد بن سعيد بن محمد أبو عبد الله الميورقي قدم بغداد وحدث بها وكان يتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة‏.‏

وفيها توفي يحيى بن محمد بن صاعد أبو محمد مولى أبي جعفر المنصور كان محدثا فاضلا قال أو أسبوعين بنو صاعد ثلاثة يوسف وأحمد ويحيى وكانت وفاة يحيى هذا ببغداد‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول الأنبار في قاضي مدينة المنصور وأبو عروبة الحسين بن محمد بن أبي معشر الحراني وسعيد بن عبد العزيز الحلبي الزاهد وأبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الأسفرايني وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن فيروز الأنماطي ويحيى بن محمد بن صاعد في ذي القعدة وله تسعون سنة‏.‏

الماء القديم خمس أذرع وإحدى عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا إصبعان‏.‏

السنة الثامنة من ولاية تكين الرابعة وهي سنة تسع عشرة وثلاثمائة‏:‏ فيها نزل القرامطة الكوفة فهرب أهلها إلى بغداد‏.‏

وفيها دخل الديلم الدينور وقتلوا أهلها وسبوا فورد بعض أهل دينور بغداد وقد سودوا وجوههم ورفعوا المصاحف على رؤوس القصب وحضروا يوم عيد النحر إلى جامع بغداد وآستغاثوا ومنعوا الخطيب من الخطبة والصلاة وثار معهم عامة بغداد وأعلنوا بسب المقتدر ولازم الناس المساجد وأغلقوا الأسواق خوفًا من القرمطي‏.‏

وفيها ولد المعز أبو تميم معد العبيدي رابع خلفاء بني عبيد وأول من ملك منهم ديار مصر الآتي ذكره في محله من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها قبض المقتدر على الوزير سليمان بن الحسن وحبسه وكانت وزارته سنة وشهرين وكان المقتدر يميل إلى وزارة الحسين بن القاسم فلا يمكنه مؤنس وأشار مؤنس بعبيد الله بن محمد الكلوذاني فاستوزره المقتدر مع مشاورة علي بن عيسى في الأمور‏.‏

وفيها كانت وقعة بين هارون بن غريب وبين مرداويج الديلمي بنواحي همذان فانهزم هارون وملك الديلمي الجبل بأسره إلى حلوان‏.‏

وفيها أيضًا عزل المقتدر الكلوذاني وأستوزر الحسين بن القاسم بن ألف دينار في كل سنة وكانت وزارة الكلوذاني شهرين‏.‏

وفيها في ذي الحجة استوحش مؤنس من الخليفة المقتدر لأنه بلغه أجتماع الوزير والقواد على العمل على مؤنس فعزم خواص مؤنس على كبس الوزير فعلم الوزير فتغيب عن داره وطلب من المقتدر عزل الوزير فعزله فقال انفه إلى عمان فآمتنع المقتدر وأوقع الوزير في ذهن المقتدر أن مؤنسًا يريد أن يأخذ أبا العباس من داره ويذهب به إلى الشام ومصر ويبايعه بالخلافة هناك ثم وقعت أمور ألجأت مؤنسا إلى الخروج من بغداد إلى الشفاسية وكتب إلى المقتدر يطلب منه مفلحا الأسود فقويت الوحشة بين المقتدر وبين مؤنس حتى أرسل المقتدر إلى قتاله ثلاثين ألفًا وكان مؤنس في ثمانمائة فانتصر عليهم وهزمهم وملك الموصل‏.‏

وفيها كان الوباء المفرط ببغداد حتى كان يدفن في القبر الواحد جماعة‏.‏

وفيها توفي الحسن بن علي بن أحمد بن بشار أبو بكر الشاعر المشهور الضرير النهرواني المعروف بابن العلاف أحد ندماء المعتضد ‏"‏ وكان من الشعراء المجيدين قال‏:‏ كنت في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه فأتى الخادم ليلا فقال أمير المؤمنين يقول لكم أرقت الليلة بعد آنصرافكم فقلت‏:‏ ولما آنتبهنا للخيال الذي سرى إذا الدار قفر والمزار بعيد وقد أرتج علي تمامه فمن أجازه بما يوافق غرضي أمرت له بجائزة قال فأرتج على الجماعة وكلهم شاعر فاضل فآبتدرت وقلت‏:‏ فقلت لعيني عاودي النوم وآهجعي لعل خيالا طارقًا سيعود ومن شعر ابن العلاف هذا قصيدته التي رثى فيها المحسن بن أبي الحسن بن الفرات الوزير وكنى عنه بالهر خوفا من الخليفة وعددها خمسة وستون بيتا وأولها‏:‏ يا هر فارقتنا ولم تعد وكنت منا بمنزل الولد فكيف ننفك عن هواك وقد كنت لنا عدة من العدد تطرد عنا الأذى وتحرسنا بالغيب من حية ومن جرد وتخرج الفأر من مكامنها ما بين مفتوحها إلى السدد وكلها على هذا المنوال وفيها حكم أضربت عن ذكرها لطولها‏.‏

وفيها توفي الحسن بن علي بن زكريا بن صالح بن عاصم بن زفر أبو سعيد العدوي البصري وفيها توفي علي بن الحسين بن حرب أبو عبيد القاضي البغدادي ويعرف بابن حربويه ولي قضاء مصر وأقام بها دهرا طويلا قال الرقاشي سألت عنه الدار قطني فقال ذلك الجليل الفاضل‏.‏

وفيها توفي محمد بن سعيد وقيل ابن سعد أبو الحسين الوراق النيسابوري صاحب أبي عثمان الحيري كان من كبار المشايخ عالمًا بالشريعة والحقيقة‏.‏

وفيها توفي محمد بن الفضل بن العباس أبو عبد الله البلخي الزاهد كان أحد الأبدال وله كرامات قال ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله‏.‏

له وفيها توفي المؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو الوفاء النيسابوري الماسرجسي شيخ نيسابور في عصره وكان أبوه من بيت حشمة في النصارى فأسلم على يد ابن المبارك وهو شيخ سمع المؤمل هذا الكثير ورحل إلى البلاد وروى عنه أبناه أبو بكر محمد وأبو القاسم علي وغيرهما قال الحاكم سمعت محمد بن المؤمل يقول حج جدي وهو أبن نيف وسبعين سنة فدعا الله تعالى أن يرزقه ولدا فلما رجع رزق أبي فسماه المؤمل لتحقيق ما أمله وكناه أبا الوفاء ليفي لله بالنذور ووفاها‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أبو الجهم أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب خطيب مشغرى وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان في رجب وأبو سعيد الحسن بن علي بن زكرياء العدوي الكذاب وأبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي رأس المعتزلة وأبو عبيد علي بن الحسين بن حربويه القاضي وأبوا لوفاء المؤمل بن الحسن الماسرجسي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وتسع أصابع مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وأربع أصابع‏.‏

السنة التاسعة من ولاية تكين الرابعة وهي سنة عشرين وثلاثمائة فيها عزل المقتمر الحسين بن القاسم من الوزارة وآستوزر أبا الفتح بن الفرات‏.‏

وفيها بعث المقتدر بالعهد واللواء لمرداويج الديلمي على إمرة أذربيجان وإرمينية وأران وقم ونهاوند وسجستان‏.‏

وفيها نهب الجند دور الوزير الفضل بن جعفربن الفرات فهرب الوزير إلى طيار له في الشط فأغرق الجند الطيارات وسخم الهاشميون وجوههم وصاحوا الجوع الجوع وكان قد اشتد الغلاء لأن القرمطي ومؤنسا الخادم منعا الغلات من النواحي أن تصل ولم يحج ركب العراق في هذه وفيها في صفر غلب مؤنس على الموصل فتسلل إليه الجند والفرسان من بغداد وأقام بالموصل أشهرا ثم تهيأ المقتدر لقتاله وأخرج مضربه إلى باب الشماسية وبعث أبا العلاء سعيد بن حمدان إلى سرمن رأى في ألف فارس فأقبل مؤنس في جمع كبير فلما قارب العكبرا آجتهد المقتدر بهارون بن غريب أن يحارب مؤنسا فآمتنع واحتج بأن أصحابه مع مؤنس في الباطن ولايثق بهم وقيل إنه عسكرهارون وابن ياقوت وأبنارائق وصافي الحرمي ومفلح بباب الشماسية وانضموا إلى المقتدر وقالوا له إن الرجال لا يقاتلون إلا بالمال وإن أخرجت المال أسرع إليك رجال مؤنس وتركوه وسألوه مائتي ألف دينار فلم يرض وأمر بجمع الطيارات لينحدر فيها بأولاده وحرمه إلى واسط ويستنجد منها ومن البصرة وغيرها على مؤنس فقال له محمد بن ياقوت اتق الله في المسلمين ولاتسلم بغداد بلاحرب وأمعن في ذلك حتى قال له المقتدرأنت رسول إبليس وبنى عزمه وأصبح يقاتل مؤنسا وأبلى ابن ياقوت المذكور بلاء حسنا وكان غالب عسكر مؤنس البربر فلما آنكشف عن المقتدر أصحابه جاءه واحد من البربر فضربه من خلفه ضربة سقط منها إلى الأرض فقال له ويلك أنا الخليفة فقال أنت المطلوب وذبحه بالسيف وشال رأسه على رمح ثم سلب ماعليه وتركه مكشوف العورة حتى ستر بالحشيش وحفر له في الموضع ودفن فيه وعفي أثره وذلك في شوال وبات مؤنس بالشماسية ووقع له بعد قتل المقتدرأمور حتى أخرج القاهر ترجة المقتدر اسمه جعفر وكنيته أبوالفضل ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد ابن ولي العهد طلحة الموفق ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدي محمد ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أمير المؤمنين الهاشمي العباسي البغدادي بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه المكتفي بالله علي في سنة خمس وتسعين ومائتين وله ثلاث عشرة سنة ولم يل الخلافة أحد قبله أصغر منه وخلع من الخلافة أول مرة بعبد الله بن المعتز في شهر ربيع الأول في سنة ست وتسعين ومائتين ثم أعيد وقتل ابن المعتز ثم خلع في سنة سبع عشرة وثلاثمائة بأخيه القاهر ثلاثة أيام ثم أعيد إلى الخلافة إلى أن قتل في هذه السنة وقد تقدم ذكر ذلك كله في الحوادث من هذا الكتاب كل واقعة في موضعها وآستخلف من بعده أخوه القاهر محمد وكنيته أبومنصور وعمره يوم ولي الخلافة ثلاث وثلاثون سنة وكانت خلافة المقتدر خمسا وعشرين سنة إلا بضعة عشريوما وكانت النساء قدغلبن عليه وكان سخيا مبذرا يصرف في السنة للحج أكثر من ثلاثمائة ألف دينار وكان في داره أحد عشر ألف غلام خصي غيرالصقالبة والروم وأخرج جميع جواهر الخلافة ونفائسها على النساء وغيرهن وأعطى الدرة اليتيمة لبعض حظاياه وكان زنتها ثلاثة مثاقيل وأخذت زيدان القهرمانة سبحة جوهر لم ير مثلها قيمتها ثلائمائة ألف دينا هذا مع ما ضيع من الذهب والمسك والأشياء والتحف قيل إنه فرق ستين حبا من الصيني وقال الصولي كان المقتدر يفرق يوم عرفة من الإبل والبقر أربعين ألف رأس ومن الغنم خمسين ألفا ويقال إنه أتلف من المال في أيام خلافته ثمانين ألف ألف دينار وخلف المقتدر عدة أولاد ذكور وإناث‏.‏

وفيها توفي أحمد بن عميربن يوسف الحافظ أبوالحسين بن جوصى كان حافظ الشام في وقته كان إماما حافظًا متقنًا رحالًا قال الدار قطني تفرد بأحاديث وليس بالقوي‏.‏

وفيها توفي الحسين بن صالح أبو علي بن خيران الفقيه الشافعي القاضي كان من أفاضل الشيوخ وأماثل الفقهاء‏.‏

وفيها توفي عبد الوهاب بن عبد الرزاق بن عمربن مسلم أبو محمد القرشي مولاهم الدمشقي حدث عن هشام بن عمار وطبقته وروى عنه أبو الحسين الرازي وغيره‏.‏

وفيها توفي محمد بن يوسف بن إسماعيل أبوعمرالقاضي الأزدي مولى جريربن حازم ولي قضاء مدينة المنصور وكان عالما عاقلا دينا متفننًا‏.‏

وفيها توفي أبوعمر والدمشقي أحد مشايخ الصوفية صحب ابن الجلى وأصحاب ذي النون وكان من عظماء مشايخ الفقه وله مقالات وأحوال‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أبو الحسن أحمد بن القاسم الفرائضي والمقتدر بالله جعفربن المعتضد قتل في شوال عن ثمان وثلاثين سنة وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن يوسف الفربري وأبوعمر محمد بن يوسف القاضي وأبو علي بن خيران الشافعي الحسين بن صالح‏.‏

أمر النيل في هذه السنة الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعًا مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا ولاية محمد بن طغج الأولى هو محمد بن طغج بن جف بن يلتكين بن فوران بن فورى الأميرأبو بكر الفرغاني التركي مولده في يوم الاثنين منتصف شهر رجب سنة ثمان وستين ومائتين ببغداد بشارع باب الكوفة ولي إمرة مصر بعد موت تكين ولاه أمير المؤمنين القاهر بالله على الصلاة بعد أن آضطربت أحوال الديار المصرية وخرج أبن تكين منها في سادس عشرأشهرربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة فأرسل محمد بن طغج هذا كتابه بولايته على مصر في سابع شهررمضان من سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة المذكورة ولم يدخل مصر في هذه الولاية وما دخلها أميرا عليها إلا في ولايته وقال ابن خلكان بعدما سماه وأباه إلى أن قال الفرغاني الأصل صاحب سرير الذهب المنعوت بالإخشيذ صاحب مصر والشام والحجاز أصله من أولاد ملوك فرغانة وكان المعتصم بالله بن هارون الرشيد قد جلبوا إليه من فرغانة جماعة كثيرة فوصفوا له جف وغيره بالشجاعة والتقدم في الحروب فوجه إليهم المعتصم من أحضرهم فلما وصلوا إليه بالغ في إكرامهم وأقطعهم قطائع بسر من رأى وقطائع جف إلى الآن معروفة هناك فلم يزل جف بها إلىأن مات ليلة قتل المتوكل انتهى كلام آبن خلكان قلت ودير له على منابر مصر وهومقيم بدمشق نحوا من ثلاثين يومًا وقال صاحب البغية اثنين وثلاثين يومًا إلى أن قدم رسول الأمير أحمد بن كيغلغ بولايته على مصر ثاني مرة من قبل الخليفة القاهر بالله في تاسع شوال من السنة وأما الأيام التي قبل ولاية محمد بن طغج على مصر فكان يحكم فيها ابن تكين باستخلاف والده تكين له ويشاركه في ذلك أيضًا الماذرائي صاحب خراج مصر المقدم ذكره‏.‏

ووقع في هذه الأيام بمصر أمور ووقائع وكان الزمان مضطربا لقتل الخليفة المقتدر بالله جعفر وآشتغال الناس بحرب القرمطي وكان في تلك الأيام كل من غلب على أمر صار له‏.‏

وفي ولاية محمد بن طغج هذا على مصر ثانيا على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى لقب بالإخشيذ والإخشيذ بلسان الفرغانة ملك الملوك وطغج عبد الرحمن والإخشيذ لقب ملوك فرغانة كما أن أصبهبذ لقب ملوك طبرستان وصول لقب ملوك جرجان وخاقان لقب ملوك الترك والأفشين لقب ملوك أشروسنة وسامان لقب ملوك سمرقند وقيصر لقب ملوك الروم وكسرى لقب ملوك العجم والنجاشي والحطي لقب ملوك الحبشة وفرعون قديمالقب ملوك مصروحديثًا السلطان‏.‏

ولما مات جده جف في سنة سبع وأربعين ومائتين آتضل ابنه طغج أبو محمد هذا بالأمير أحمد بن طولون صاحب مصر وكان من أكابر قواده ودام على ذلك حتى قتل خمارويه بن أحمد بن طولون فسارطغج إلى الخليفة المكتفي بالله علي فأكرم الخليفة مورده ثم بدا من طغج المذكور تكبرعلى الوزيرفحبس هووابنه محمد إلى أن مات طغج المذكورفي الحبس وبعد مدة أخرج محمد هذا من الحبس وجرت له أمور يطول شرحها إلى أن قدم مصر في دولة تكين وولي الأحواف بأعمال مصر وأقام على ذلك مدة إلى أن وقع بينه وبين تكين وخرج من مصر مختفيا إلى الشام ثم ولي إمرة الشام ثم أضيف إليه إمرة مصر فلم يدخلهاعلى ما تقدم ذكره وعزل بالأمير أحمد بن كيغلغ‏.‏

وتأتي بقية ترجمته في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى‏.‏

السنة التي حكم فيها عدة أمراء حكم في أولها تكين إلى أن مات في شهرربيع الأول ثم ابنه من غيرولاية الخليفة بل باستخلاف أبيه ثم الأمير محمد بن طغج من أواخر شعبان إلى أواخر شهر رمضان وكانت ولايته آثنين وثلاثين يوما ولم يدخلها ثم الأمير أحمد بن كيغلغ من آخر أشهررمضان ولم يصل رسوله إلا لسبع خلون من شوال وهي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة فيها شغب الجند على الخليفة القاهر بالله وهجمواعلىالدار فنزل في طيار إلى دار مؤنس الخادم فشكا إليه فصبرهم مؤنس عشرة أيام وكان الوزير آبن مقلة منحرفا عن محمد بن ياقوت فنقل إلى مؤنس أن ابن ياقوت يدبرعليهم فاتفق مؤنس وآبن مقلة ويلبق وآبنه على الإيقاع بابن ياقوت فعلم فاستتر ثم جاءعلي بن يلبق إلى دار الخلافة فوكل بها أحمدبن زيرك وأمره بالتضييق على القاهر وطالب آبن يلبق القاهرم بما كان عنده من أثاث أم المقتدر‏.‏

وفيها استوحش المظفرمؤنس وابن مقلة ويلبق من الخليفة القاهر‏.‏

وفيها أشيع ببغداد أن يلبق والحسن بن هارون كاتبه عزماعلى سب معاوية بن أبي سفيان على المنابر فاضطربت الناس وقبض يلبق على جماعة من الحنابلة ونفاهم إلى البصرة‏.‏

وفيها تأكدت الوحشة بين الخليفة القاهر وبين وزيره ابن مقله ويلبق وقبض على يلبق وعلى أحمد بن زيرك وعلى يمن المؤنسي صاحب شرطة بغداد وحبسوا وصارالحبس كله في دار الخلافةثم طلب الخليفة مؤنسا فحضر إليه فقبض عليه أيضًا وآختفى الوزير ابن مقلة فاستوزر القاهرعوضه أبا جعفرمحمد بن القاسم بن عبيد الله وأحرقت دار آبن مقلة كما أحرقت قبل هذه المرة ثم ظفر القاهر بعلي بن يلبق بعد جمعة فحبسه بعد الضرب ثم ذبح القاهر يلبق وآبنه عليا ومؤنسا وخرج برؤوسهم إلى الناس وطيف بها ووقع في هذه السنة أمور وأطلق القاهر أرزاق الجند فسكنوا وآستقامت له الأمور وعظم في القلوب وزيد في ألقابه ‏"‏ المنتقم من أعداء دين الله ونقش ذلك على السكة‏.‏

وفيها أمر القاهر بتحريم القيان والخمروقبض على المغنين ونفى المخنثين وكسرآلات اللهو وأمر بتتبع المغنيات من الجواري وكان هومع ذلك يشرب المطبوخ ولا يكاد يصحو من السكر‏.‏

وفيها عزل القاهر الوزير محمدا واستوزر أبا العباس بن الخصيب‏.‏

وفيها حج بالناس مؤنس الورقاني‏.‏

وفيها توفيت السيدة شغب أم الخليفة المقتدربالله جعفر كان متحصلها في السنة ألف ألف دينار فتتصدق بها وتخرج من عندها مثلها وكانت صالحة ولما قتل آبنها كانت مريضة فقوي مرضها وامتنعت من الأكل حتى كادت تهلك ثم عذبها القاهر حتى ماتت ولم يظهر لها إلا ما قيمته مائة وثلاثون ألف دينار وكان لها الأمر والنهي في دولة ابنها‏.‏

وفيها قتل مؤنس الخادم وكان لقب بالمظفرلماعظم أمره وكان شجاعا مقداما فاتكا مهيبا عاش تسعين سنة منها ستون سنة أميرا وكان كل ما له في علو ورفعة وكان قد أبعده المعتضد إلى مكة ولما بويع المقتدر بالخلافة أحضره وقربه وفوض إليه الأمور فنال من السعادة والوجاهة ما لم ينله خادم قبله‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفرالأزدي الحجري المصري الطحاوي الفقيه الحنفي المحدث الحافظ أحد الأعلام وشيخ الإسلام وطحا قرية من قرى مصر من ضواحي القاهرة بالوجه البحري قال ابن يونس ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين وسمع هارون بن سعيد الايلي وعبد الغني بن رفاعة ويونس بن عبدالأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وطائفة غيرهم وروى عنه أبو الحسن الإخميمي وأحمد بن القاسم الخشاب وأبو بكربن المقرىء وأحمد بن عبد الوارث الزجاج والطبراني وخلق سواهم ورحل إلى البلاد قال أبو إسحاق الشيرازي انتهت إلى أبي جعفر رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر أخذ العلم عن أبي جعفر أحمد بن أبي عمران وأبي حازم وغيرهم وكان إمام عصره بلا مدافعة في الفقه‏.‏

والحديث وآختلاف العلماء والأحكام واللغة والنحو وصنف المصنفات الحسان وصنف اختلاف العلماء و أحكام القرآن و معاني الآثارو الشروط وكان من كبار فقهاء الحنفية والمزني الشافعي هوخال الطحاوي وفيها توفي محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية العلامة أبو بكرالأزدي البصري نزيل بغداد تنقل في جزائر البحر وفارس وطلب الأدب واللغة حتى صاررأسا فيهما وفي أشعار العرب وله شعر كثير وتصانيف وكان أبوه من رؤساء زمانه وحدث ابن درييدعن أبي حاتم الجستاني وأبي الفضل العباس الرياشي وابن أخي الأصمعي وروي عنه أبو سعيد السيرافي وأبو بكر بن شاذان وأبو الفرج صاحب الأغاني وأبو عبيد الله المرزباني وعاش ابن دريد بضعا وتسعين سنة فإن مولده في سنة ثلاث وعشرين ومائتين وقال أبوحفص بن شاهين كنا ندخل على ابن دريد فنستحي مما نرى من العيدان المعلقة والشراب المصفى وقد جاوزالتسعين ولابن دريد من المصنفات كتاب الجمهرة وكتاب الأمالي وكتاب اشتقاق أسماء القبائل وكتاب المجتبى وهو صغير وكتاب الخيل وكتاب السلاح وكتاب غريب القرآن ولم يتم وكتاب أدب الكاتب وأشياء غير ذلك وكان يقال آبن دريد أعلم الشعراء وأشعرالعلماء ولما مات دفن وأبوهاشم الجبائي في يوم واحد في مقبرة الخيزران لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان ومن شعره قوله‏:‏ وحمراء قبل المزج صفراء بعده أتت بين ثوبي نرجس وشقاثق حكت وجنة المعشوق صرفًا فسلطوا عليها مزاجا فاكتست لون عاشق وله‏:‏ أنا ابن عشرين لازادت ولا نقصت إن آبن عشرين من شيب على خطر الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أبو حامد أحمد بن حمدون النيسابوري الأعمشي وأحمد بن عبد الوارث العسال وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة وأبو هاشم عبد السلام بن أبي علي الجبائي وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ببغداد ومكحول البيروتي محمد بن عبد الله بن عبد السلام ومحمد بن نوح الجند يسابوري ومؤنس الخادم الملقب بالمظفر وأبو حامد محمد بن هارون الحضرمي أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعا مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا ونصف إصبع‏.‏

ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية ولي أحمد بن كيغلغ المذكور مصر ثانيا من قبل القاهرمحمد لما اضطربت أحوال الديار المصرية بعد عزل الأمير محمد بن طغج بن جف في آخر شهر رمضان وقدم رسوله إلى الديار المصرية بولايته لتسع خلون من شوال سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة واستخلف ابن كيغلغ المذكور أبا الفتح محمد بن عيسى النوشري على مصر فتشغب عليه الجند في طلب أرزاقهم وطلبوا ذلك من الماذرائي صاحب خراج مصر فآستتر الماذرائي منهم فأحرقوا داره ودورأهله ووقعت فتنة عظيمة وحروب قتل فيها جماعة كثيرة من المصريين ودامت الفتنة إلى أن قدم محمد بن تكين إلى مصر من فلسطين لثلاث عشرة خلت من شهر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فظهر الماذرائي صاحب الخراج وأنكر ولاية آبن تكين على مصر فتعصب لمحمد المذكور جماعة من المصريين ودعي له بالإمارة على المنابر ووقع بين الناس بسبب ذلك وصاروا فرقتين فرقة تنكر ولاية محمد بن تكين وتثبت ولاية أحمد بن كيغلغ وفرقة تتعصب لمحمد بن تكين وتنكرولاية ابن كيغلغ ووقع بسبب ذلك فتن وخرج منهم قوم إلى الصعيد فيهم ابن النوشري خليفة ابن كيغلغ وغيره وأمر ابن النوشري عليهم وهم مستمرون في الدعاء لابن كيغلغ فكانت حروب كثيرة بديار مصر بسبب هذا الاختلاف إلى أن أقبل الأمير أحمد بن كيغلغ ونزل بمنية الأصبغ في يوم ثالث شهر رجب سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فلما وصل آبن كيغلغ لحق به كثيرمن أصحاب محمد بن تكين فقوي أمره بهم فلما رأى محمد بن تكين أمره في إدبارفرليلا من مصر ودخلهامن الغد الأميرأحمد بن كيغلغ وذلك لست خلون من شهر رجب فكان مقام ابن تكين علىمصرفي هذه الأيام مائة يوم وآثني عشر يوما وهوغيروال بل متغلب عليها وكان المتولي من الخليفة في هذه المرة ابن كيغلغ المذكورغير أنه كان قد تأخرعن الحضور إلى الديار المصرية لأمر ما ولما دخل ابن كيغلغ إلى مصر وأقام بها أقر بجكم الأعورعلى شرطة مصر ثم عزله بعد أيام بالحسين بن علي بن معقل مدة ثم أعيد بجكم وأخذ ابن كيغلغ في إصلاح أمر مصر والنظر في أحوالها وفي أرزاق الجند ومع هذه الفتن التي مرت كان بمصر في هذه السنة والماضية زلازل عظيمة خربت فيها عدة بلاد ودور كثيرة وتساقطت عدة كواكب وبينما أحمد بن كيغلغ في إصلاح أمر مصر ورد عليه الخبر بخلع الخليفة القاهر بالله وتولية الراضي بالله محمد بن المقتدرجعفر فلما بلغ محمد بن تكين تولية الراضي بالله عاد إلى مصر بجموعه وأظهر أن الراضي ولاه مصر فخرج إليه عسكر مصر وأعوان أحمد بن كيغلغ وحاربوه فيما بين بلبيس وفاقوس شرقي مصر فكانت بينهم مقتلة انكسر فيها محمد بن تكين وأسر وجيء به إلى الأميرأحمدبن كيغلغ المذكور فحمله ابن كيغلغ إلى الصعيد وآستقامت الأمور بمصرلأحمدبن كيغلغ وبعد ذلك بمدة يسيرة ورد كتاب الخليفة بخبر ولاية الأمير محمد بن طغج على مصروعزل أحمدبن كيغلغ هذا عنها وأن محمد بن طغج واصل إليها عن قريب فأنكر ابن كيغلغ ذلك وتهيأ لحربه وجهز إليه عساكرمصر ليمنعوه من الدخول إلى الفرما فأقبلت مراكب محمد بن طغج من البحرإلى تنيس وسارت مقدمته في البروالتقوا مع عساكر أحمد بن كيغلغ فكانت بينهم وقعة هائلة وقتال شديد في سابع عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة فآنكسر أصحاب ابن كيغلغ وأقبلت مراكب محمد بن طغج إلى ديار مصر في سلخ شعبان فسلم أحمد بن كيغلغ الأمر إلى محمد بن طغج من غير قتال وآعتذر أنه ما قاتله إلاجند مصر بغير إرادته وملك محمد بن طغج ديار مصر وهي ولايته الثانية عليها وكانت ولاية ابن كيغلغ على مصر في هذه المرة الثانية سنة واحدة وأحد عشر شهرا تنقص أياما قليلة وأحمد بن كيغلغ هذا غير منصوربن كيغلغ الشاعر الذي من جملة شعره هذه الأبيات الخمرية‏:‏ يديرمن كفه مدامًا ألذ من غفلة الرقيب كأنها إذ صفت ورقت شكوى محب إلى حبيب